استيقظ فى وسط ساعات الدُكنة الأخيرة من ليلة بدء كفاح شاق. قبل حتى أن أفتح مُقلتىّ، يستقر فى ذهنى المُتشابك أنّى و بما لا يدعُ مجالًا للشك أحتاج إلى صدر امرأة يضمنى بقوة تُعبر دون خجل عن دعم لا محدود و حُبٍ غير مشروط لأستطيع أن أكمُل خُطتى الطموح. لا، لم تخطُر أُمّى على بالى و إن كان طيفها قد مر فى مؤخرة رأسي لا لشىء سوى أن يُذكرنى بكم تجاوزتُ من سنين لتُصبح والدتى- و أول و أكبر داعميّ- غير ذات صلة بمُعضلة احتكرت هى وحدها مُعالجتها مُذ بدأت سنون العُمر تسارعُها. مُرعبٌ أن نكبر لنجد أنفسنا بحاجة إلى نسوة أُخريات يسلّون همومنا و يرأفون لأحوالنا و ينصروننا ظالمين كُنّا أو مظلومين.
المؤرّق فى الأمر- و هو ما دفعنى لأدوِّن حديثى هذا- أننى و قبل أن افتح عينىّ تخيلت امرأة بعينها تمنحنى مُرادى هذا. ما جرى؟ و لمَ جرى؟ و كيف جرى؟ و ما يجرى؟ و ما سيجرى؟— أسئلة طافت برأسى المشغول بمئات من الأسئلة الأُخرى التى قد لا تقل تعقيدًا و لكن ربما تتضائل فى الحرارة و آلام البحث عن جواب.
ألقيت ببذورى فى أرض قد تبدّى لى خصبها. باشرتُ ما زرعت بنفس هادئة صابرة. تمرالأيام و الليالى و تتعاقب الفصول و أنا ماكثٌ بجواره أحاوطه بما تيسر لى من كنف حتى إذا شبّ عن الطوق أثار ما بنفسى من ظمأ و احتياج لرحيق أزهاره. أقول رحيق الزهر فقط و ليس الثمر لأن الثمر لم يكُن هو ما اشتهى. كدت أقطف الزهر لاستخلص ما به من شراب يشفى ما أحرقه جدب الظمأ بجوفى. و تعسّر ذلك دون أن أقطف الثمرة أيضًا؛ فثمار الفُل تنبت فى وسط أزهارها. تقبع الثمرة فوق مصدرالرحيق و تمدُها الزهرة بأشواك من حولها تمنع عبث العابثين من ناحية و تضمن ألّا يذهب ثمرها هباءً من ناحية أُخرى.— المُهم، آثرتُ السلامة و ابتعدت، فليس لى من مأرب فى ثمار شجرتى هذه.
جُلّ ما أخشاه و يُعذب قلبى الضعيف ألّا أكون قادرًا لسأم أو ملل على مُباشرة ما ألقيه من جديد بذور الحُب فى الأراضين الطيبة الخصبة. و أين هى تلك الأراضين الطيبة؟ و أيّان ألقاها؟ و من أين لى أن أعرف إذا ما كانت ستنبت لى ما أشتهيه من ثمر. يبدو أن ما أبذرُ طيبٌ حقًا بالنظر لكثرة الخصب الذى يلاقيه، و لكن أيتهُّن- تلك الأراضين- تُنبت ما يطيبُ لى أنا؟
(يُتبَع)
ُ