Sunday, May 21, 2017

الحكمة الكامنة فى التقاليد - ١

بمرور الأيام و تقلُب حوادث الدهر نوائب القدر، يزداد تسامحى تجاه العادات و اعتناقى للتقاليد بحكم كونها دليل جيد لمواجهة المُشكلات الحياتية المعتادة منذ عصر إنسان  الكهف إلى عصرنا هذا، و ذلك تطبيقًا لحكمة أحمد شرف الدين الشهيرة:

There is some timeless wisdom in tradition


آخر هذه التقاليد اللى أنا بدأت أقدرها منذ اغترابى لفترة ليست قصيرة نسبيًا السنة اللى فاتت هى قيمة العائلة. الدم أهم و أبقى الروابط بين البنى آدمين (و حتى الحيوانات ببعضها)، و مهما تعمقت الصداقة بأحدهم، فيظل القريب أهم و أفضل و فى درجة أعلى من الصديق المفروض يعنى. و عشان كدة لما اتنين يبقوا قريبين جدًا بيسعوا قدر الإمكان لتوثيق ده بالجواز.. سواء بالمعنى التقليدى بتاع الناس اللى بيجوزوا ولادهم لبعض عشان يوثّقوا علاقتهم برباط الحواز أو حتى بمعنى أروش شوية و هو إن الجواز عن حُب ما هو إلا إنك بتتجوز أكتر واحدة صاحبتك و بتستريح معاها. و ده لأن الجواز هو حرفيًا اختلاط للدم و الجينات بشكل أساسى.


التقليد الآخر، و هو ذو صلة بعض الشىء بأفكارى حول العائلة، هو أنه تمن الخيانة هو إراقة الدم. و إذا فكرت فيها هتلاقى الموضوع منطقى، خيانة رابطة الدم ليس لها سوى ازهاقه. و على قد ما ده يبدو حل راديكالى و قديم، و لكن هو ده الصح: الخاين يموت (نُقطة)





Thursday, May 11, 2017

من هو الصديق؟

في إطار الرؤية الشاملة لوجودنا الاجتماعي كسلسلة من التفاعلات يحكمها بالشكل الأول و الأساسى إرادتنا الشوبنهاورية -إذا جاز التعبير- من أجل الحياة، و المُنبثقة علميًا من غريزة التطوُّر المغروسة فى كافة أشكال الحياة؛ و التى تنعكس على جُل أنساقنا الاجتماعية التى نبتنيها سعيًا وراء مزيد من السعادة– التى هى فى حقيقتها (بتجرُد) موفورية كافة أسباب تحقيق الإرادة... فقد تبلور فى أذهاننا معنًى راسخ لمن هو الصديق، أو بالأحرى كيف يمكن لنا أن نطلق على أحدهم "صديقًا".  

باختصار، حيث لا يسعفنى الوقت أن أُطيلَ بما يتسق مع تحيُزاتى الفيلولوجية، فتتلخص رؤيتنا للصديق فى أنه كل من يتقدم ليمد يد العون لتحقيق إرادتنا للحياة، وذلك- طبعًا- بما لا يصطدم بشكلٍ مُباشر مع إرادتهم هم أنفسهم لحيواتهم. الصديق هو ذلك المُنافس على الموارد و الثروات بالدرجة الأولى و الذى قرر أنه لا يزعجه أن يتنحى جانبًا عن تنازعه معنا عليها ليتقاسمها معنا بدلًا من ذلك. 

للتوضيح، نلجأ للتمثيل:

فى مرتبة الصداقة الأولى يقبع كُل من اختلطت جيناتنا بجيناته فى نسلٍ مُشترك، حيث يضحى من المُحتّم أن نرعى و نوفر كافة سُبل إنعاش و تغذية الحياة المُمتدة لصديقنا ذلك من خلال نسله المُمتد، الذى هو نسلُنا أيضًا. 

بعد ذلك تأتى العائلة و كل من نتشارك معهم دمائنا بشكلٍ مُعتبر. و من هُنا أتى التصنيف الراسخ فى دوائر علوم الأنساب حول أقارب الدرجات المُختلفة من الأولى و حتى الرابعة وأكثر من ذلك إذا أحببت.

مثالانا السابقان يبدوان بديهيين، و هذا طرحٌ وجيه، فلم نكتب فى ليلتنا هذه لنُحدثّ الناس بأن أقربهم إليكم مَن هم مِن نفسِ دمائكم، و إنّما نسطُر ما قد يعيننا على تصنيف الغُرباء:
ما دفعنى لأكتُب مكتوبى هذا استرجاعى لأذكار مضت و أناسٌ قد عرفت، جرى بيننا ما جرى و بقى ما بقى، و إذ كنت أتفكر من ليلتى بهذه الحوادث وجدتنى وقد شَبح بخاطرى ما دفعتُ به يومًا المرأة ذات الرداء الرَحب إذ أخبرتُها مُشتاطًا متوعدًا بشكوكى فى خِصام إحداهُن و نكرانها لسابق عهد ذى ودٍ بيننا:

- لا تغضب، و اعذُرها فى أمرها، فهى صديقتك.
= ليست لى بصديق.
- و كيف ذلك؟ أهل إذا رأيتها صُدفةً فى طريق تخضب فى الدماء قد آذاها أحدهُم، أولا تهرُع لنجدتِها؟
=... بلى.    

رغم كل ما قد يطفو على سطح علاقتنا بأصدقائنا و من ارتضيناهم حلفاءٌ لنا فوق حلبة التطوُر، يبقى هذا الاختبار- حيثُ يطُل طيف الموت نفسه برأسه- إن صحَّ (و معقودًا فى اتجاهيه) أقلَ مؤشراتنا عطبًا و أكثرَها خلوًا من الدراما.