Tuesday, December 16, 2014

ما لم يقُله دارث فيدر


مسرحية من فصل واحد ومشهد واحد مستوحاة من سلسلة الأفلام الأمريكية الشهيرة "حرب النجوم"


إحدى دهاليز "نجمة الموت"- سفينة الفضاء الشهيرة التى يقودها قائد جيوش الإمبراطورية "دارث فيدر". يقف دارث فيدر متشحاً بالسواد من أعلاه حتى أخمص قدميه مُمسكاً بسيفه الضوئى. يدخُل "لوك سكاى ووكر"، الفارس المقاتل فى صفوف تحالف الثوار، شاهراً سيفه هو الآخر. ينخرط الاثنان فى حديث أخير قبل مباشرة معركتهم الفاصلة.

دارث فيدر: إنها فرصتك الأخيرة لكى تقلع عن تعنتك وتعصبك الأعمى؛ عليك أن تحتضن الجانب المظلم، أن تتقبل..


يبدو لوك مستثاراً بشدة من ما قاله دارث فيدر، فيندفع بحدة لمقاطعته

لوك: أبداً! من المُستحيل أن أوافقك على أىٍ مما قلته؛ كيف لى أن أنضم إلى الجانب المظلم؟ ألا يكفى كونه مظلماً كى أحيد عنه؟ بل إننى لا أتقبل وجوده أصلاً وسأحاربه بكل ما أوتيت.


تظهر علامات حنق على وجه دارث فيدر مبعثها حماقة ما يقوله محدثه ومقاطعته له، فيستطرد حديثه المنقطع


دارث فيدر: إدينى فرصة أتكلم! أنت هتاخد الكلام لوحدك؟


يصمت دارث فيدر قليلاً ليرى وقع كلامه على لوك الذى يصمت مأخوذاً بنبرة صوت دارث فيدر





دارث فيدر:
لدى كُل منا جانبه المظلم فى حياته- تلك الحزمة من الكلمات والأفعال والأشخاص أو حتى الأفكار المُجردة التى يقمعها ويُنكر وجودها إذا ما كانت بداخله، أو يتجنبها ويبتعد عنها قدر الإمكان بل قد يهاجمها ويحارب وجودها إذا ما كانت بخارجه. فبداخلنا كثيرٌ هو ما يقبع فى الجانب المظلم، ولعل أبرز ذلك الكثير هو المشاعر المكبوتة والرغبات الناشئة عن غرائز طبيعية جداً بداخلنا، ناهيك عن الأفكار. الأمثلة على ذلك كثيرة، كالحُب العاطفى المنظور إليه بشىء من الاستهجان فى مجتمع كمجتمعنا تحت دعاوى أخلاقية ودينية. أيضاً المُمارسة الجنسية كأحد أبسط الغرائز الإنسانية وأكثرها بديهية ولكنها هى الأخرى مكبوتة تحت شعارات العيب والحرام. ذلك بالإضافة إلى قائمة طويلة من الرغبات المقموعة المختلفة باختلاف الشخص.
أما الأفكار، فحدث ولا حرج، فالأسئلة الوجودية التى تنتاب كل منا تنجح خلطة التنشئة الاجتماعية بتركيبتها الحالية فى قمعها بحجة أنه "حرام نسأل الأسئلة ديه" أو أن سؤال مثل تلك الأسئلة لا طائل منه. الخروج عن المألوف فكرياً بشكل عام يحتل جزءاً كبيراً من الجانب المظلم، فعادة ما يقمع الإنسان أفكاره التى لا تتماشى مع المألوف من حوله كانت تلك الأفكار ذات طبيعة عقائدية كالدين، أو اجتماعية كرفض منظومة العائلة مثلاً أو غيرها من أفكار اجتماعية سائدة، أو سياسية. 
الجانب المظلم بخارجنا مكتظ هو الآخر بسُكانه، لا سيما من الأفكار والأشخاص-- أفكار الآخر الخارجى وشخوصه. تأمل للحظات قليلة محاولاً تذكر أكبر عدد من الأفكار أو الأشياء القادمة إليك من العالم الخارجى والتى تحرص على تصنيفها دائماً ضمن جانبك المظلم. غالباً ما ستنهمر على رأسك عشرات الأمثلة على ذلك، التى من المرجح بشدة أن يكون ضمنها: العلمانية، الليبرالية، اليهود، الكُفّار، المثليين جنسياً، المُلحدين، ذوات الـ"ليجينجز"، ذوات الطُرح،... إلخ. قد لا تحتوى قائمتك الخاصة على بعض هذه الأشياء، أو كُلها، ولكن المؤكد هو أنك تمتلك قائمة شبيهة تحتوى على عشرات- وربما مئات- الأشياء التى تحيلها إلى الجانب المظلم ومن ثم ترفضها وترفض وجودها وقد تحاربه حتى.
يتبقى بذلك أهم قاطنى الجانب المظلم ومفتاح تقبل واحتضان زملائه الآخرين من سكان الجانب المظلم: عبثية الحياة. فالحياة سؤال بلا إجابة صحيحة موضوعية، حيث تكثر الإجابات التى تدعى أنها هى وحدها صحيحة دون غيرها، بينما هى فى الواقع لا تمتلك أى استدلال منطقى يقف من وراءها لإثبات صحتها. هنا يمتلك سؤال الحياة إجابة مختلفة باختلاف منظور من يجيب عن السؤال،  ومن ثم يصبح سؤالاً عبثياً؛ فكل الإجابات صحيحة إذا ما نظرت إليها من منظورها. عادة ما نمنح هذا الساكن المهم إقامة دائمة فى الجانب المظلم، وذلك عندما نتمسك بإجابة واحدة فقط كإجابة صحيحة لسؤال الحياة.
يبقى السؤال الرئيس الذى بدأنا به ، لماذا يجب أن نحتضن الجانب المظلم-- أو على الأٌقل نتقبل وجوده؟ لأنه عادة ما يقبع فى الجانب المظلم- ظُلماً وبهتاناً- تشكيلة واسعة من الرغبات والغرائز الطبيعية التى سيسفر احتضانها وتقبل وجودها عن المزيد من السعادة؛ ومن ثم جودة أفضل للحياة، إضافة إلى مجموعة من الأفكار ذات الكثير من الوجاهة والمنطق السليم والتى تستحق بالتالى اعتناقها والدفاع عنها فى مقابل أفكار أخرى تستند إلى منطق فاسد.

 الأهم من هذا وذاك، وكما أسلفت الذكر، أن الحياة لا تمتلك جواباً صحيحاً واحداً بعينه. احتضان تلك الحقيقة- التى دائماً ما نحاول إنكارها والتغطية عليها؛ حيث يسحق تعدد المعانى ومن ثم العبثية واللامعنى آمالنا وتعلقنا بالحياة، الأمر الذى يخيفنا بشدة- سيجعلنا أكثر تسامحاً مع الجانب المظلم. فتلك الحقيقة تستطيع محو تقسيمة الجانب المظلم والغير مظلم بالكامل، وإذا لزم ذلك التقسيم، فربما يجدر التقسيم إلى جانب معروف (غير مظلم) وآخر مجهول (مظلم). ميكانيزم القيام بذلك يكون عن طريق إزالة تلك الحقيقة لكل ما يقف أمام احتضان الجانب المظلم من أخلاق أو دين أو قيود مجتمعية، حيث تصبح تلك الأشياء عديمة القيمة؛ ومن ثم نصبح أكثر تسامحاً وتقبلاً للجانب المظلم.
الخلاصة- يا لوك- أنه فى عالم بلا معنى واضح، تصبح الحياة أقصر من أن نضيعها فى صراع مع الجانب المظلم، ويصبح احتضان الجانب المظلم ضرورة للاستمتاع بحياة أفضل!




No comments:

Post a Comment